الاثنين، 31 ديسمبر 2012

الحمّام الإسلامي



الإسلام دين النظافة والطهارة :

-         لقد إهتم الدّين الإسلامي بمسألة النظافة الجسدية واعتبرها أساسية في حياة المسلم، فلا بد للجسد – الوعاء أن يكون طاهرا لإحتضان الروح التوّاقة إلى المتحرّر من الشرور والشوائب وهو ما عبرت عنه الأية الثانية والعشرون بعد المائته من سورة البقرة في قوله تعالى:
" إن الله يحبّ التّوابين ويحبّ المتطهّرين "،  حيث جعل الإسلام المتطهرين أحباء الله بإعتبار أنّ الطهارة  بهذا المعنى هي نصف الإيمان، ولا تصّح العبادات إلاّ بها، لأنّ المتعبّد والمتضرّع لله تعالى  يجب أن تشمل الطهارة جسمه وثيابه ومكانه، كما أنّ الجنب والمرأة النفساء والحائض يجب عليهم التطهرّ  بالإغتسال بإفاضة الماء على كامل البدن مع الدلك . وأكثر من ذلك يجب غسل المسلم عند وفاته قبل أن يوارى التّراب  حتى يلقى ربّه طاهر البدن.

-      هذا وقد رويت أحاديث كثيرة في فضل الغسل يوم الجمعة بإعتباره يوم عيد أسبوعي للمسلمين منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم:  "يامعشر المسلمين ، هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين ، فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمسّ منه ، وعليكم بالسواك " ( 1 ) .

-                 ولا أدلّ على إهتمام الإسلام بالغسل و النّظافة عموما، من تصدّر موضوع المياه والطهارة  الباب الأول في كتب الفقه  ( الإسلامي بمختلف مدارسهم الفقهية . وهو ما يفسّر أيضا إعتناء المسلمين  حكّاما وأفرادا بإنشاء مؤسسة الحمّام في المدن والقرى و الأرياف بشكل يضاهي إهتمامهم ببناء المساجد والجوامع، إلى درجة أنّ المتأمّل في التركيبة العمرانية للمدينة الإسلامية، سوف يلحظ أنّ الحمّام كان يحتل المرتبة الثانية بعد المسجد - الجامع في تراتبيته المؤسسات الإسلامية من حيث الأهمية الإجتماعية والصحية والترفيهية والدينية ، حتى أضحى مكمّلا ضروريا للمسجد بدليل أنّ موقع بنائه كان محاذيا أو قريبا من المسجد (1).

-                 وقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه " أنه يكون ( أي بمدينة بغداد)  بإزاء كل حمّام خمسة مساجد  "(2) .

------------
(1) أخرجه :
(2) وهو ما لا حظناه على سبيل المثال – في تموقع حمامات مدينة تونس قرب الجوامع والمساجد.
   وذلك مثل : حمّام القشاشين قرب جامع الزيتونة، وحمّام يوسف صاحب الطابع المحاذي لجامع الحلفاوين، وحمّام سيدي الرصّاص قر جامع أبي محمد ، و حمّام الذهب بجوار جامع محمد باي المرادي وحمّام الديوان بجوار الزاوية القادرية
وصف الحمام :
-                 في وصفه لحمامات مدينة بغداد ، ذكر الرحالة المغربي الشهير " ابن بطوطة " في منتصف القرن التاسع للهجرة / الخامس عشر للميلاد، في رحلته أن حمّاماتها كثيرة وبديعة البناء وأنها " مطلية بالقار مسطحة به فيخيل  لرائيه أنه رخام أسود .. وفي كل حمّام منها خلوات كثيرة ( مقصورات )، كل خلوة منها مفروشة بالقار ومطلية حتى نصف حائطها بما يلي الأرض، أمّا النصف الأعلى فهو مطلي بالجص الأبيض الناصع:  فالضدان بها مجتمعان متاقابلان حسنهما. وفي داخل كلّ خلوة حوض من الرخام فيه أنبوبان أحدهما يجري بالماء الحار والآخر بالماء البارد .. وفي زاوية كل خلوة أيضا حوض آخر للإغتسال فيه أيضا أنبوبان يجريان بالحار والبارد ... " (1).

-                 وقد وصل الإهتمام بالحمّام - سواء العام أو الخاص - إلى المبالغة في إتقان هندسته وزخارفه حتى يطيب فيه المقام، حيث انعكست فيه إبداعات الفنان المسلم كما هو الشأن بالنسبة للمسجد - الجامع أو قصور الخلفاء والأغنياء ولعلّ ماجاء في كتاب " نفح الطيب من غض الأندلس الطيب "(2). يعطينا صورة عن المستوى الحضاري الذي بلغه الفن المعماري الإسلامي : فقال مؤلف الكتاب المذكور على ما حكاه " بدر الدين الحسن الأربلي "عن حمّام بغدادي في قصر أحد الأغنياء :

-                  حمّاما متقن الصنعة، حسن البناء، كثير الأضواء قد احتفت به الأزهار والأشجار ... وأبصرت مياهه وشبابيكه وأنابيبه المتخذ بعضها من فضة مطلية بالذهب وغير مطلية، وبعضها على هيئة طائر إذا خرج منها الماء صوّت بأصوات طيبة: ومنها أحواض رخام بديعة الصنعة . و المياه تخرج من سائر الأنابيب إلى الأحواض ومن الأحواض إلى بركة حسنة الإتقان ، ثم منها إلى البستان. ثم أراني ( أي سائس الحمّام ) نحو عشر خلوات ، كل خلوة منها صنعتها أحسن من صنعة أختها .. ثم إنتهى بي إلى خلوة عليها باب حديدي (يؤدي )(1)  إلى دهليز طويل كله مرخّم بالرّخام الأبيض الساذج . وفي صدر الدهليز خلوة مربعة ( ... ) حيطانها الأربعة مصقولة صقالا لا فرق بينه وبين صقال المرآة، يرى الإنسان سائر بشرته في أي حائط شاء منها ... ورأيت أرضها مصورة بفصوص حمر وصفر وخضر ومذّهبة ، وكلها متخذة من بلور مصبوغ بعضه أصفر وبعضه أحمر . فأما الأخضر فيقال إنه نجارة تأتي من الروم .. وأما المذهّب فزجاج ملبس بالذهب .. " (2).

-------------
(1) تحفة النظار في غوائب الأمصار وعجائب الأسفار
(2)        وهو لمؤلفه أحمد بن محمد التلمساني المقري المتوفي سنه 1041 ه / 1633م.


1- ظهور مؤسسة الحمّام في الحضارة العربية الإسلامية

-                 لم يكن عرب الحجاز وما حولهم يعرفون الحمّام قبل البعثة المحمّدية، وإنما عرفه الصحابة بعد وفاة الرسول  عليه السلام، لما فتحوا بلاد الروم وتوسّع انتشار الإسلام في آفاق الدنيا و رأوا فيه المؤسسة المتمّمة للجامع نظرا لوظيفتها الرئيسية في الطهارة التي هي شرط أساسي لممارسة الشعائر التعبدية . فوقع إستيعابها ضمن أهم المؤسسات الإجتماعية – الدينية الإسلامية ، بعدما طبعت بالتعاليم الدينية وآدابها وأصبحت جزءا لا يتجزأ من النسيج العمراني والاجتماعي للمدينة الإسلامية .

-                 ونظرا لدوره المكمّل للمسجد، اهتم  المسلمون بهذه العمارة بناء وزخرفة تليق بمكانتها في المنظومة الدينية والإجتماعية، والنتيجة أن أصبح مبنى الحمّام من روائع العمارة الإسلامية التي شدّت أنظار و اهتمام الرحّالة وإحتلّ مكانا مميزا في دراساتهم وانطباعاتهم عن العالمين العربي والإسلامي بسحره وأسراره التي تحولّت إلى أساطير للعشق والحلم البعيد .

-     ومن هذا المنظور إنتقل الحمّام من مكان للطهارة إلى منتدى صحّي ومكان دافئ بفرح اللقاء عن غير موعد، ومنتجعا للإستحمام،  وآية فنية معمارية ، ومؤسسة أرحب لكافة الفئات والشرائح الإجتماعية من خلال ممارسة جملة من التقاليد والمعتقدات الشعبية المتعلقة بالحمّام التي كانت تمارس فيه باعتباره ملتقى للحياة الإجتماعية الرجالية والنسوية علــى حدّ السواء .

-                  وقد كانت الحممّات في البلاد العربية في أوّل عهدها الإسلامي بسيطة الهندسة ، حيث تتكون من غرفتين إحداهما للرجال والأخرى للنساء ، إضافة إلى غرفة خاصة بالموقد لتزويد الغرفتين بالمياه الساخنة.

-                 ثم أخذ مخطط الحمّام في التّطور وازداد تعقيدا على ضوء حاجيات المجتمعات الإسلامية، وتقدمها وأصبح الحمّام يبنى بعد دراسة تراعي تلك الحاجيات وتعكس الجانب الفني والحضاري لتلك العصور، من خلال عبقرية المهندسين والبنائين في كل ركن من أركانه : في الأشكال والترتيب والنظام وكيفية ربط أجزائه بممرات ودهاليز محكمة التوزيع، إضافة إلى تقنيات التهوئة والإضاءة الطبيعية ، وجرّ المياه بأقنية وتفريعها وتوزيع مياهها وتقوية حرارتها إلى جانب تأمين إنتشار الدفء تحت بلاط الحمام وداخل جدرانه ... وغيرها من الخبرات التقنية التي كان يتمتع بها الأجداد حتى تستجيب للحاجيات الدينية و الصحية والترفيهية وكذلك الإجتماعية .

*  مكانة الحمام في المدينة :

        لا شك أنّ التعاليم الإسلامية سواء في القرآن أو في السنة النبوية  - الداعية إلى ضرورة نظافة الجسد بمعناها الطقسي- كانت وراء بروز مؤسسة الحمام وتطورها بشكل مذهل إلى درجة أنها احتلت المكانة الثانية في تراتبية معالم المدينة العربية الإسلامية بعد المسجد الجامع . وهذا الانتشار السريع لم يقتصر على المدن الكبرى كما هو الحال في الحضارة الرومانية – بل تعداه إلى التجمعات السكانية في البادية والريف إذ لم  تكن تخلو قرية أو مدينة صغيرة من حمام .

* مقارنة بين الحمّام (  balneae )  الروماني والحمام الإسلامي :

-                 من حيث الغايات : نلاحظ أن الأول كان الهدف منه هو راحة الجسم وترفيهه بأنواع التدليك والأنشطة الرياضية التي يطغى عليها جانب اللهو واللعب والمتعة الفرجوية ، إلى درجة أنه وقع ربط الحمامات الرومانية بدكاكين متنوعة الأغراض وكذلك أماكن للراحة وأخرى للتدليك .. إضافة إلى إنشاء مكتبات للمطالعة، وفي بعض الأحيان تتحول الحمّامات الرومانية  إلى ندوات تحتوي علي مجادلات في شتى الفنون والمعرف. فكان الهدف هو راحة الجسد وعبادة الجمال الجسدي.
-  أمّا الحمّام الإسلامي -  الذي هو وريث الحمام الروماني - فقد أحدث فيه تعديل في طريقة توظيف هذه المؤسسة حيث طبعت بطابع ديني يتناغم والقواعد الشرعية الإسلامية، فأصبح القيام بجملة من الطقوس ذات بعد ديني هو الأمر السائد تبدأ بستر الجسد حسب شروط معينة، ومرورا بطريقة الاغتسال الخاضعة لتعاليم للفقه الإسلامي المسّندة أساسا على السنة النبوية قولا وفعلا وتقريرا ... و إنتهاءا بممارسات تجميلية وصحية غدت من الوظائف الإجتماعية –  الدينية المرتبطة مباشرة بالحمّام .



هيئـــة  الحمـــام :

*  الطابع العربي الاسلامي للحمام :
-         للحمام شكل وكيفية تختلف  عن باقي مؤسسات المجتمع الإسلامي: لذا كانت هيئته الهندسية محل دراسة وعناية كي تستجيب لوظائفه التي وجد من أجلها .
-         فقد دقّق المسلمون القدامى في هندسته حتى تكون أصيلة ذات طابع إسلامي يستجيب إلى التوّجيهات الدينية والصحية للدّين الإسلامي.

* لذا إشترطوا أن يكون الحمّام عموما على الهيئة التالية :

- أولهـا : أن يكون مسدود المنافذ، ليس فيه أبواب مشرّعة و لا طاقات،  ليحتفظ  بحرارة هوائه وحرارة مائه.

- ثانيها : أن تكون جدرانه سميكة من خلالها ، بأن يكون مبنيا بالحجر الصلب لا بنحو طين أو غيره لتمنع تسرب الهواء من خلالها .

- ثالثها : أن يكون رفيع البناء لتصعد الرطوبات وتبسط، فيصفو في مدّة  الصعود، فينقلب هواء قليل الرطوبة .

- رابعها : أن يكون واسع الفضاء ليصفو هواؤه وتتوّزع فيه الحرارة، ولا تنحصر الأنفاس المختلفة فيه، وتسهل عملية التنفس فيه. ولكن هذا لا يعني أن يكون الحمّام مفرط السعة لعدم إمكان تسخين الهواء والماء فيه .

- خامسها : أن يكون كثير الضياء والنور ، وذلك بأستعمال جامات زجاجية شفافة لينفذ منها الشعاع، إذ يستعمل البعض الزجاج الملون أو المعشّق ممّا يكسب المكان منظرا جميلا ويضفي عليه البهجة والسرور. ذلك أنّ الحمّام يتعين أن لا يكون فيه منافذ لينحصر الهواء فيه ويحتفظ الماء بحرارته ، وبذلك يكون مظلما، وأمام هذا الوضع يحتال للحصول على الضوء بإحداث كوات (1) تسد بأجسام شفافة مانعة من نفوذ الهواء وغير مانعة من نفوذ الضوء. بل إن البعض يحبّذ أن يكون الحمّام كثير الضياء لأن ذلك يفرح النفس   ويعين على البقاء فيه حتى تتحلل الأوساخ .
- سادسها : أن يكثر إنعطاف دهاليزه ويحكم غلق أبوابه للمحافظة على الحرارة .

- سابعها : أن يكون قديم البناء ، حيث قدّر بعضهم أن يكون له سبع سنين فأكثر لأنّ البناء الجديد غير معتدل المزاج لبرودة أحجاره و افتقارها إلى الرطوبة والحرارة. فهناك حكمة قائلة :

" ثلاثة أجودهم العتيق: البئر والحمّام والصديق "

-         ثامنها : أن تكون أرضيته مفروشة بالرّخام لما في مقاومة أرضيته للحر، ولأن صلابته تعكس البخار بسرعة فيتصاعد فيلطّفه الهواء، وذلك بخلاف فرشه بالأحجار الرخوة والبلاط أو الخشب.

-         تاسعها : أن تكون بيوت الحمّام  - بما في ذلك المحرس  ( أو المسلخ )  - حاوية لأشكال جميلة وألوان زاهية لتدخل البهجة والفرح على المستحمين . فتنقش جدرانه بالصّور البديعة مثل الحدائق الغناء والسفن التي تمخر عباب البحر وغيرها من المناظر الطبيعية .
            وقد ذهب البعض إلى " أنّ أرواح البدن وقواه ثلاثة : نفسانية وطبيعية وحيوانية ، فيكون كل واحد من التصاوير سببا لإنعاش كل واحد من تلك القوى ويرد ما  تحلّل منه . فللقوى النفسانية نحو صورة العاشق والمعشوق، وللطبيعة نحو البساتين وصور الأشجار والأزهار ، وللحيوانية آلات الحرب وصفة الفرسان والشجعان وهو ما أستنبطه الحكماء بأفكارهم و أقتضئه القواعد الطبية  ... "(1) .
-         عاشرها : أن يكون ماؤه عذبا، كما أشار إلى ذلك الطبيب و الشيخ الرئيس أبن سينا بقوله:
            " خير الحمّام ما قدم بناؤه واتسع فضاؤه وعذب ماؤه . وذلك لأن العذب يبرّء ويرطّب أكثر بخلاف الملح فإنه لا يخلو من أجسام تؤذي البدن الإحتفاظ بهذه الجملة كما هي  وهذا باعتبار الأصل وبالنظر كحفظ الصحة . وقد تعرض حالات يكون الملح فيها أولى، وذلك في معالجة الأمراض.. "(3).

-         حادي عشرها : الحرص على نظافة الحمّام وكذا ماؤه : وأن تكون الحياض و المغاطس واسعة وعتيقة لتستر البدن، يجدد فيها الماء لكي لا يفسد ويضر من الأوساخ والأمراض.


-------------------
( 1 )النزهة الزهية   ص : 60
( 2 ) في كتابه مختصر القانون في الطب " لأبن سينا.


-         ثاني عشرها : أن يحمى من الغبار والدخان، حيث يكون وقوده خال من الروائح الكريهة المتأتية من الزبل ونحوه من المواد المضرّة. وفي المقابل يحبّذ أن يكثر فيه البخور والروائح الطيبة لترتاح الروح و تنتعش .

-                           ثالث عشرها : أن تكون له قاعة كبرى تعلوها قبة كبيرة محاطة بشمسيات بلورية ملونة. وهذه القاعة التي تسمى المسلخ أو المحرس تخصّص لنزع الثياب ووضعها، والجلوس فيها بعد الخروج من الحمّام للإستراحة والمكوث فترة معينة حتى يجف العرق من البدن، ويتعود تدريجيا على برد الهواء الخارجي بعد حرّ الحمّام .
  وتحتوي هذه القاعة في وسطها على نافورة ماء رخامية جميلة تروح النفس وتنعش الروح. وإذا أمكن تكون مطلة على بستان أو بحيرة أو نهر كان ذلك أبلغ وأنفع كما هو الحال في حمّامات بلاد الأندلس .

-         رابع عشرها : أن يشتمل على بيوت ثلاثة غير المحرس أو الفرناق. وتكون مختلفة في درجة حرارتها حيث يكون بعضها أسخن من بعض على هذا النحو :
البيت الأول ويسمى " البيت البارد " أو الوسطاني الأول يكون معتدل الحرارة كثير الرطوبة. ويكون موقعه بعد المحرس.
 والبيت الثاني المعروف بــ " بيت الوسط " أو الوسطاني الثاني " فتعلوها قبة نصف أسطوانية تتخللها قمريات تقوم بإدخال الضوء الطبيعي . وتكون هذه القاعة أكثر حرارة من الأولى وتحتوي على مسطبة أو إثنتان  ومقصورات ( أو مطاهر ) .
أما البيت الثالث وتسمى بيت السخون أو الجواني ( في بلاد الشام ) فحرارتها تكون فوق الثاني لقربه من بيت النار  (أو الفرناق ) ، فهي شديدة الحرارة في هوائها ومائها .
وبناء الحمّام ينقسم عموما إلى قسمين متلاصقين في عمارة واحدة لكنهما منفصلين ومتكاملين في الآن نفسه. ولكل منهما مدخله الخاص به :
فالقسم الأول هو الحمّام نفسه أي المكان الذي يؤمه الناس للإستحمام، 
أما الثاني فهو مخصص للخدمات التقنية ويسمى بالفرناق في تونس أو الخزانة في الشام، حيث يحتوي على الأتون وهو موقد نار الحمّام وكذلك المرجل والمعروف بالنحاسة في تونس والحلّة في الشام . كما يحتوي ، أيضا على خزانات المياه الباردة والحارة ، حيث تندفع منه لتتوزع داخل الحمّام بواسطة سواقي رخامية أو فخارية أو رصاصية أو حتى خشبية " فتجري المياه حسب دورها مكشوفة أو تحت الأرض أو في الجدران ... ". (1) ويفصل بين القسم الأول و القسم الثاني جدار رقيق يحتوي على فتحات تسمح بدخول البخار الساخن إلى قاعة الإستحمام لتزيد هواءه حرارة يتّم الحفاظ عليها بفضل سماكة الجدران الأخرى المبطنة بالجير العربي والتي تبلغ المترين أحيانا .

--------------------
(1) موسوعة العمارة الإسلامية : ص: 140

* وظائف مؤسسة الحمام :

بالرغم من وظيفته الأساسية المتمثلة في الغسل ، فإنّ للحمّام أدوار متنوعة في المجتمع الإسلامي.
وكانت هذه المؤسسة العريقة تعتبر لدى اليونانيين والرومان فضاء للترفيه والثقافة والرياضة (16) يجد الإنسان في رحابها راحة الجسد ومتعة النفس. إلآّ أنّ الحضارة العربية الإسلامية أضافت لهذه العمارة المقتبسة وظائف أخرى طبعت بتعاليم الدين وقدسيته ، وزادت من ثرائها تقاليد المجتمعات الإسلامية وعاداتها وأساطيرها .

إنّ التّردد على الحمّام يعد – في حقيقة الأمر – طلبا لتوازن يفتقر إليه الجسد وتطمح إليه النفس من حاجات صحية واجتماعية وكذلك روحية. لذلك اعتبر هذا الفضاء مكان استقطاب بعد المسجد - الجامع ونقطة التقاء وتواصل بين فئات المجتمع المختلفة ممّا أضفى عليه قيمة ومكانة في تاريخ العمارة الإسلامية حتى أصبح الحمّام جزءا أساسيا من النسيج العمراني للمدينة الإسلامية (17).

1)          الوظيفة الصحية – العلاجية :
لقد عدّ الحمّام من المقومات الأساسية للمدينة الإسلامية ، ولعلّ الصبغة الدينية لعملية الغسل هي التي أضفت على هذه العمارة شرعيتها وعزّز وجودها في المجتمع الإسلامي إلى درجة أنها أصبحت مكمّلة للوظائف الروحية للمسجد- الجامع، وهو ما يفسّر وجود العديد من الحمّامات قرب المساجد والجوامع وبعض الزوايا.
ولعلّه من نافلة القول أن نذكّر بتعاليم الدّين الإسلامي التي تحثّ على النظافة والطهارة إلى درجة أنّ الإسلام ربط جدليا بين الطهارة الحسية            - بإزالة الأوساخ - والطهارة المعنوية - بتهذيب الأخلاق - ، حيث اقتضت في مفهومها الشامل الحرص على تنظيف الجسم والثياب والمكان حتى تصحّ العبادات (18) من صلاة وطواف وتلاوة القرآن من المصحف ... قال الرسول عليه السلام : " لا تقبل صلاة بغير طهور " ، أو كما قال  أيضا : " لا تقبل صلاة أحدكم - إذا أحدث -  حتّى يتوضّأ " (19)  .

        تتمّ في الحمّام عملية الاغتسال الشرعي إذا كان الإنسان على جنابة بسبب الاتصال الجنسي أو الاحتلام ، أو انقطاع دم الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة .
كما يستغلّ الحمّام– في مرتبة ثانية -  للتّداوي والتطّهر من الأوساخ، فإنّ المسلم يتردد عليه في كلّ المناسبات الدينية والاجتماعية . كما أنّ تنوّع الأدوات والأثاث والمواد المستعملة في الاستحمام دليل على تنوع الوظائف الصحية وتعاقبها، واعتناء فائق بكل عضو من أعضاء الجسم، فهو يترجم عن ثقافة صحية شاملة تتمّ عبر عمليات متسلسلة ودقيقة تراعي صحة الجسد والنفس معا في علاقة جدلية لا تؤمن بالفصل بين المادي و الروحي .
-------------
(16)   من التقاليد الاجتماعية لدى اليونانيين دعوة الضيف للحمّام للتعبير عن إكرامهم له.
(17)   وهو ما يدعّم الرأي القائل بأن ما يميّز المدينة العربية الإسلامية هو الحمّامات . و هذا لا يعني      غياب مؤسسة الحمّام في القرية بل إنّ للبعض منها أكثر من حمّام ( راجع كتاب :
Ahmed Saadaoui , Testour du 17éme au 19éme siècle :                           Histoire architecturale  d’ une  ville morisque de Tunisie , Publications de la Faculté de lettres La   Manouba ,Tunis, 1996.
(18) رواه مسلم في كتاب الطهارة.
(19) المرجع السابق

2)          الوظيفة الاجتماعية – الدينية:

تميّزت عمارة الحمّام عن غيرها من البنايات التي طبعت النسيج العمراني للمدينة الإسلامية، بفضائها المبلل، الدائم الرطوبة بسبب الماء الغدق والبخار الكثيف، إلى جانب ضيق مداخله وتعاقب قاعاته وفراغ مساحاته (20) وخفوت ضوئها (21).. كلّ هذه العناصر طبعت هذا المكان بطابع خرافي أثّر في المخيلة الشعبية لتنسج حوله الحكايات والأساطير الطريفة  .
 فالحمّام إلى - جانب دوره الصحي المتمثل أساسا في الغسل الشرعي ونظافة البدن -  هو مكان لقاء والتقاء وحياة اجتماعية، وهو ما يفسّر وجود الحمّامات بالقرب من الجامع أو وسط السوق.

لقد منح الحمّام الإسلامي وظائف عديدة غير وظيفة النظافة والغسل الشرعي فزادتها رسوخا تقاليد وعادات تأثّرت بدورها بالمعتقدات الشعبية والتّدين الشعبي الذي يمارسها المجتمع في مناسبات اجتماعية ومواسم دينية باعتبارها طقوسا مكمّلة للشريعة وأحكامها أضفت عليها طابعا احتفاليا يمتزج فيه الدين بالعادات والتقاليد، ويتفاعل فيه النفسي مع الاجتماعي والعاطفي مع الروحي .

من بين هذه المحطات الرئيسية التي يقف عندها المسلم :

* " الختان " الذي تسبقه زيارة للحمّام ينظّف فيه الطفل جسمه ويغسل رأسه المخضب "بالمردومة" ليزداد بريقا وجمالا حتى يصبح أهلا لكسوة الختان التي سوف يكون لها وقع طيب على الطفل وتخفّف من آلام عملية الختان.

* وفي مناسبة الزواج تصبح زيارة الحمّام أكثر أهمية من أي مناسبة أخرى يتكرّر فيها التردّد على هذه المؤسسة حسب روزنامة تمليها عادات توارثها المجتمع جيلا بعد جيل منذ قرون ، حيث تستأجر عائلة العروس كامل العمارة ليعيشوا داخل الحمام أجواء احتفالية عائلية خاصّة بهم بعيدا عن الفضوليين وإحراجهم .
* ومن معتقدات الفأل أنّ أوّل فتاة تقبّلها العروس لدى خروجها من الحمّام سوف يحالفها الحّظ في الزّواج في أقرب الآجال : لذا ترى الصبايا يتزاحمن ليفزن بهذه " القبلة - البركة " .
----------
(19 ) وقع الربط العضوي بين الوسخ وبين الشيطان في حيث نبوي مشهور " : النظافة من الإيمان والوسخ من الشيطان ".
(20) القاعة الوحيدة المجهزة بالأثاث و الأدوات هي القاعة الكبرى المسماة بالمحرس أو المسلخ باعتبارها مكان استقبال وراحة للمستحمين .
(21) إنّ الإضاءة الطبيعية لقاعات الحمّام لا تصل عن طريق نوافذ في الجدران الجانبية ولكن بواسطة  فتحات علوية مغطاة ببلور سميك لا يسمح إلا بدخول الضوء الخافت لهذه الفضاءات المبللة بالبخار .

* وفي الفترة التي تسبق حفل الزّفاف بأسبوع تقوم العروس بثلاثة زيارات للحمّام :
* الأولى تكون قبل سبعة أيام من الزفاف ويطلق عليه " حمّام الوسخ "  بمعنى حمّام نظافة الجسد.
* يليه " حمّام الصبغة " بعد ثلاثة أيام من الحمّام السابق وذلك لغسل شعر الرأس المخضّب بالحناء أو " المردومة "
* وأخيرا حمّام التشليلة " قبل يوم من الزّفاف .
* وقد اقتضت العادة أن يزور العريس الحمّام صبيحة يوم الزفاف رفقة أهله وأصدقائه من الرجال للقيام بالإغتسال الشرعي قبل أن يرتدي كسوة العرس.
* من العادات أيضا قيام أهل الميت بزيارة الحمّام، بعد وفاته بأيام حتى يقطعوا مع فترة الحداد .
* كما نجد نوعا آخر من المناسبات المتعلقة بالمرأة وحياتها الصحية إذ ساد  الإعتقاد أنّ بإمكان المرأة التي تعاني من العقم أن تشفى منه بوضع مشدّ من الجبس (22) حول حصرها وتمكث به فترة من الزمن في الحمّام.
* ولتيسير عملية الولادة ، تشرع المرأة الحامل في التردّد على الحمّام منذ شهرها الثامن حتى لا تكون ولادتها عسيرة . وبعد أربعين يوما من النفاس (23) تعود الأم بهذه المناسبة إلى الحمّام للتّطهر من " دم النّفاس ".

    ومن خلال هذه الأمثلة يمكن القول بأنّ لمؤسسة الحمّام علاقة وطيدة بجلّ المناسبات الدينية والإجتماعية التي يعيشها المسلم و لا يستغني فيها عن زيارة الحمّام الذي تجاوز دوره التقليدي بإعتباره مكان غسل وطهارة، لينتقل إلى أدوار أكثر إلتصاقا بالواقع الديني والإجتماعي والصحي للمجتمع حتى غدا من أهم المؤسسات التي تحوم حولها حياة الفرد والجماعة .
 --------------
(22) يطلق عليها " الجبيرة "
(23) المعروفة بــ " الأربعين"




مؤسسة الحمام الإسلامي


المقدمة:
         رغم ما تحتله من مكانة أساسية في خارطة النسيج العمراني للمدينة،
و الوظائف الصحية و الإجتماعية  و الدينية التي تقوم بها، فإن مؤسسة الحمام لم تنل ما تستحقة من دراسات علمية شاملة مثل بقية المعالم الأخرى التي طبعت المدينة العربية الإسلامية مثل الجوامع والزوايا والمدارس والقصور والأسواق ... والأخطر من ذلك مايعانيه هذا الصنف من المعالم من تدهور في البنية الأساسية و من تشويهات هندسية تدخل و مراقبة الهياكل والمؤسسات المعنية بالتراث والآثار لحمايتها وترميمها.
أما تاريخيا فإن الحفريات الحديثة كشفت عن أقدم الحمامات الخاصة – قبل أن تكون عامة  - وذلك فيما تبقى من آثار قصور الحضارة الإيجية التي يرجع تاريخها إلى ما بين 1700  و 1400 قبل الميلاد . ثم إعتنت الحضارة اليونانية بهذه المؤسسة بدليل أهميتها في الحياة الإجتماعية اليونانية . إلا أن الرومان أبدعوا في هندستها وتفننوا إلى حد لم يسبق له مثيل حتى أصبحت مرجعا للحمامات التي شيدت في حضارتنا العربية الإسلامية خصوصا في العصر الأموي (47ه / 132ه - 661ه / 750ه )
وبعد ظل الحضارة الإسلامية التي أخضعتها لتعاليمها الدينية وتقاليدها الإسلامية الجديدة، حتى أصبحت هذه العمارة من أبرز المؤسسات التي طبعت تاريخالتمدن الإسلامي إلى جانب المسجد – الجامع وغيرها من المعالم .
وقد إشتهرت أكثر العواصم والمدن الإسلامية بإقامة الحمامات العامة وهي آية في الهندسة المعمارية من حيث التخطيط و البناء و الزخرفة الجميلة الماونة بالأصباغ والفسيفساء والجليز والرخام ... مثــل دمشق وبغداد وإسطنبول .. أما في بلاد المغرب العربي فنذكر مدينة القيروان التي كشف فيها عن حمامات جميلة مزينة بالفسيفساء والرخام والأعمدة التي تحمل السقوف والقباب و دكانات أرضية للجلوس، هذا إلى جانب مدن عديدة مثل المهدية وسوسة و مجاز الباب .. التي تضم، عشرات الحمامات العريقة و التي يرجع تاريخ بنائها إلى عدة قرون (1) . ولا زالت التنقيبات الأثرية تفاجئنا منت حين إلى آخر بإكتشاف حمامات بديعة البناء والتخطيط سواء كانت حمامات خاصة .

* التخطيط البنائي للحمام :
- لا يختلف إثنان في أن الحمام الإسلامي هو وريث الحمام الروماني رغم الفروقات بين الحضارتين الرومانية والإسلامية في المنطلقات والأهداف . بل يمكن القول أن الحمام هو امتداد لمؤسسة عريقة أفرزها التطور الحضاري لدى اليونان والرمان .
------------------
(1) – مجلة سومر العراقية – ج 1 و 2  - المجلد 38 – 1982


1


وما إهتمام المسلمين بهذه العمارة وإضفاء أدوار جديدة عليها إلا إستجابة للتعليم الدينية وتأكيدا على قيمة الجسد الذي بواسطته تنحط النفس البشرية أو ترتقي إلى معارج رحبة نحو الأفضل، إذ لا فصل في الإسلام بين الجسدي والروحي وبين المادي والمعنوي وبالتالي بين الدنيا و الآخرة عبر جدلية تطمح إلى تحقيق التوازن والتكامل  ولعل المطلع على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأمهات كتب الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه، يلحظ العناية الفائقة التي يليها الإسلام لنظافة الجسد عن طريق الغسل والوضوء اليومي والتيمم بإعتباره طهارة رمزية . (2) فجاء الحمام ليتفاعل مع طبيعة تلك المبادئ التي لا ترى حرجا  في إستيعاب هذه المؤسسة وإقتباس العمارة الإسلامية فكرة القاعات الثلاث وطريقة إتصالها ببعضها و الإستفادة وظائفها المتنوعة .
وللتذكير فإن الحمامات الرومانية كانت تخضع لنموذج مشترك في التخطيط وحدات رئيسية هي القاعة الباردة وتسمى Frigidarium و القاعة الدافئة وتسمى Tepidarium  و الثالثة هي القاعة الساخنة وتسمى Caldarium وكانت توزع في بقية المبنى وحدات أخرى لخلع الملابس ولممارسة الحركات الرياضية وإقامة الندوات . فتكونت من الجميع كتلة بنائية كبيرة تغطيها الأقبية الطويلة والمتقاطعة. كما يحيط بالبناء فضاء واسع، ثم يحيط بالجميع سور كبير قد تلتق به وحدات معمارية ثانوية أخرى .
- أما الحمام الإسلامي رغم حفاظه على تعاقب جملة من الفضاءات المناسبة لكل مرحلة من مراحل قواعد الغسل، فقد طرأت عليه تغييرات وإضافات دقيقة في زخارفه الرائعة و وسائل الراحة والترفيه والخدمات المرتبطة بثقافة وتقاليد المجتمع الإسلامي. و هو ما أبرز جملة من الوظائف المرتبطة بمؤسسة الحمام إلى جانب إحداثيات هندسية تستجيب لهذه التغييرات التي طبعت الحمام الإسلامي، وظهر ذلك بالخصوص في الحمامات الخاصة (3) حيث تبين - من خلال مقارنة بالحمامات الرومانية -  الفارق الكبير بين التصميم الإسلامي وما سبقه من أمثلة في العصر الروماني (4) . وقد تميزت قصور الأغنياء والحكام بالفخامة وتفنن أصحابها في هندستها و زخارفها وأوضح مثال على ذلك حمام قصر الحمراء بقرطبة الذي " يقع في ميدان الريحان ، يدخل إليه من غرفة بها مصطبتان من الرخام و في وسطها بركة رخامية تحيط بها أربعة عمد من المرمر يرتكز عليهاسقف، تحيط به شرفات علوية، قيل أنها كانت مخصصة لعازفات الموسيقى . أما الحمام فتعلوه قبة جصية ، بها فتحات للإضاءة ثبتت عليها قطع بلورية .
ويشمل الحمام على حوضين للإستحمام يسير إليها في قنوات خاصة (5) " ..
-----------
(2) حوت المنظومة الفقهية الإسلامية على تفاصيل دقيقة تخص أنواع الطهارة وكيفيتها ونواقضها  ومجالاتها و ما يقابلها من أحكام مختلفة .. كل ذلك أفرز زخما من المصطلحات الفقهية الدالة على الإهتمام البالغ بموضوع النظافة بأبعاده الصحية والروحية .
(3) يتضح ذلك في قصير عمره وفي حمام الصرخ وهما قصران صغيران في بادية الأردن ينسبان إلى العصر الأموي ( راجع تفاصيل البحوث التي قام بها الأثري "جان سوفاجي Jean sauvaget " حول القصرين ).
(4) المرجع السابق  ص 107 :
(5) القاموس الإسلامي – المجلد الثاني  ص 146 :


2




أما الحمامات العامة فأبنيتها مستقلة تتألف من عدة غرف صممت بشكل يتيح للمستحم أن ينتقل تدريجيا من الجو الحار إلى الجو البارد حتى لا يصاب بأذى، إلى جانب أن هذا التعاقب في فضاءات الحمام يتوافق ومراحل الإغتسال

* فالحمام الإسلامي يتكون عموما من :
أ‌)             مدخل يسمى سقيفة الحمام
يقع كراؤها عادة إلى حلاق .

ب)  ثم تليها قاعة كبرى تسمى قاعة منزع اللباس (6)
        وتعرف في تونس بالمحرس أو بيت البدل وهي من أكبر الفضاءات وأجملها بفضل زخاريفها وهندستها وأثاثها و نافورتها ذات الأرضية المربعة أو المثمنة الشكل تحت القبة التي ترتكز على مثمن يشكل بدوره حنايا ركنية قوامها العقود النصف دائرية .
وفي الجهات الثلاث لهذه القاعة دكات (7) مبنية فوقها مصطبات خشبية تكسوها فرش ليستريح عليها مستحمو الدرجة الثانية ، كما نجد مقصورة أو مقصورتين لمستحمي الدرجة الأولى .

ج)  القاعة الباردة :
يقع الإنتقال إلى هذه القاعة عن طريق باب يفصلها عن المحرس، وتحتوي في العادة على المراحيض وحوض لغسل الميازر (8).



د)  القاعة الدافئة :
وتعرف أيضا بالقاعة الوسطى (9) لأنها تتوسط في موقعها ودرجة حرارتها القاعتين الكبرى والحامية يتم الدخول إليها عن طريق باب ضيق يفتح بدوره على غرفة صغيرة مستطيلة الشكل وهي مكان إنتقالي يؤدي بدوره إلى القاعة الدافئة ، و تكون درجة الحرارة فيها أعلى من القاعة الكبرى بحوالي ست درجات .
يحتوي هذا المكان على دكة أو دكتين مكسوتين بالرخام لدلك المستحم ونزع الأوساخ من جسمه . وتكون إضاءاتها عن طريق فتحات علوية مغطاة بقطع بلورية سميكة موزعة بشكل متوازن على كامل مساحة هذه القاعة التي يعلوها قبو متقاطع . كما توجد بها حجرات صغيرة تسمى " مطاهر " يتم فيها الغسل وحلق الإبطين ... في داخل كل منها حوض صغير تعلوه حنفيتها واحدة للماء الحار والأخر للماء البارد .
وبجانب الدكة حوض كبير يحوي  الماء الساخن (10).
-------------
(6) يسميها الأتراك بإسم  دجاماماكان
(7) تعرف عندنا بالدكانات
(8) الميازر : جمع ميزر ، وتعرف عندنا بالفوتة وهي رداء قصير يستر الجسم من السرة إلى الأسفل يستعمله المستحم عند دخوله إلى الحمام .
(9) يطلق عليها في تونس " بيت الوسط" وفي المغرب "الوسطى "و في سوريا "وسطاني جواني " .
(10) يطلق عليه في تونس مصطلح النقير.


3



ه) القاعة الحارة :
تتميز هذه القاعة (11) بارتفاع حرارتها نظرا لملاصقتها المباشرة بالحوض الأعلى أو ما يعرف ب " النحاسة " توفر الماء الحار  إلى كافة أنحاء الحمام بواسطة سواق وشبكة من الأنابيب الفخارية الحائطية ، إضافة إلى مرور حلقوم تحت أرضيتها (12) لحمل البخار الحار إلى أجزاء الحمام ما عدا القاعة الباردة وذلك عبر جهنميات موزعة بإحكام بهدف تدفئة الحمام . ويوجد بهذا المكان حوض للماء الحار لوضع الأرجل حتى تغزو الحرارة الجسم بشكل تدريجي ، كما يستعمل هذا الحوض كمغطس للمستحمين قبل عملية الدلك ونزع الأوساخ من الجسم . ويعلو هذه القاعة قبو دائري أو متقاطع فيه فتحتان أو ثلاث فتحات للإضاءة الطبيعية موزعة بشكل متوازن على مساحة القاعة .

و) بيت النار :
يحتوي هذا المكان على جهاز لتسخين المياه وبعث الدفء في كل أجزاء الحمام ما عدا القاعة الباردة . وتكون هذه الغرفة (13) في أغلب الأحيان مستطيلة الشكل و موازية على طول حائط القاعة الحارة الملاصقة لها . وهذا المكان مجهز بموقد ، وقزان مياه كبير يغلى فيه الماء بواسطة ذلك الموقد الذي تحته . وبجانب هذه الغرفة حجرة صغيرة لإيواء الأدوات التي يحتاجها الوقاد أثناء القيام بعمله، إلى جانب إستغلالها لتخزين الوقود وكذلك لخزن الرماد من بقايا المحروقات التي تتساقط عبر الثقوب الموجودة في أرضية الموقد حيث يتم سحبها من فتحة صغيرة تقوم في الآن نفسه بتهوئة الموقد ( 14) .
والملاحظ أن لهذه الغرفة باب يفتح مباشرة على الخارج لتيسيير عملية التزويد بالوقود ، إلى جانب أعمال أخرى يقوم بها الوقاد ومعاونوه .

ز) السطح:
عادة ما يتم الوصول إلى سطح الحمام عبر درج لولبية تكون محاذية للقاعة الكبرى ويعتبر السطح مكانا ضروريا لمؤسسة الحمام لنشر وتجفيف الميازر  الكثيرة التي يقع استعمالها بصورة يومية من طرف المستحمين (15 ) . وتحتل مساحة السطح كامل الفضاء الذي يفصل بين القباب وبيت النار.
-----------
(11) القاعة الحارة : أو القاعة الحامية والتي يطلق عليها الرومان اسم Caldarium
(12) اصطلح على تسميته ب " الزقاق "
(13) تسمى أيضا ب " الفرناق"
(14) راجع تفاصيل ذلك في جزء الأول من كتاب :Michel Ecochard et Claude le cœur Les bains Damas P : 28
(15) يستعمل الزبون الواحد ما لا يقل عن خمسة ميازر ، ميزرا ( فوتة) لستر السجم من السرة إلى الأسفل أثناء عملية الإستحمام، وميزر ليلتف بهما المستحم بعد الإغتسال في المطهرة ، وإثنين
 آخرين آثناء استراحته و ميزرا يفترشه وآخر يغطى به .



4


فقه الحمام ( أحكام الحمام) :
* المرجع
محمد أمين المعروف " بابن بدين " ، حاشية رد الختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ، الجزء الخامس .
المطبعة الميمنية بمصر 1307 ه  ،ص.ص 35 – 36

-                 في قوله " وجاز إجارة الحمّام : جاز أخذ الحمّامي أجرة الحمّام . وفي أبي السعودي عن الحموي : الحمّام مؤنث في الأغلب وجمعه حمّامات على القياس.
-                 ومن العلماء من كرهه لما روي عن عمارة بن عقبة أنّه قال : " قدمت على عثمان بن عفّان ، فسألني عن مالي ، فأخبرته أنّ لي غلمان وحمّاما له غلّة فكره لي غلّة الحجّامين وغلّة الحمّام،  وقال ، " إنّه بيت الشياطين ، وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شرّ  بيت ، فإنّه تكشف فيه العورات وتصبّ الغسلات والنّجاسات . " ومنهم من فصل بين حمّام الرجال وحمّام النّساء ، مثل الإمام " الزيلعي " .
  وروي في السّنن مسند إلى عبد الله بن عمر  : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمّامات فلا يدخلها الرجال إلاّ بالإزار ، وامنعوها النّساء إلاّ مريضة أو    نفساء ".

وقد رغّب الإسلام في طهارة الجسم في كلّ الأوقات والظروف ، كما حثّ على الطّهارة الشاملة وفي أدقّ الجزئيات حيث قال نبيّ الإسلام: " إنّ الله طيّب يحب الطّيب: ونظيف يحبّ النّظافة فنظّفوا أفنيتكم " ( رواه الترمذي في كتاب الأدب- باب: ما جاء في النّظافة) .
وهو ما يفسّر تدقيق أحكام الطهارة في الإسلام بشكل لا نجده في أيّ دين سماوي أو وضعي، من ذلك : أنّ الفقه الإسلامي شرع – قبل التعريف بالطهارة وأنواعها – شرع في إيضاح أنواع المياه حتى يتضح للمسلم كيفية استعمال النوع المشروع .
 فالمياه أربعة أصناف : أوّلها الماء الطّهور أو الطّاهر المطّهر وهو الذي لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته وهو ماء العيون والبحار والأمطار والآبار والثلوج الذائبة ، والثاني هو الماء المتغيّر أي الذي تغيّر لونه ولازمه  مثل التراب والكبريت والملح وأنواع المعادن الأخرى فهو يعتبر طاهرا كذلك . فهذان النوعان من الماء يستعملان في العبادات والوضوء والاغتسال وإزالة النّجاسات ،كما أنه مباح في الشرب والطبخ. قال الله تعالى في سورة الفرقان الآية 48 : " وأنزلنا من السّماء ماءا طهورا " ، وفي الحديث النبوي يقول الرسول عليه السلام : " مفتاح الصّلاة الطّهور " رواه البخاري. أمّا الصنف الثالث فهو الماء الطاهر المتغير  بشيء طاهر ينفك عنه غالبا كالصابون وأنواع الطيب والعسل واللبن وغيرها ، فنستعمله في العادات دون العبادات .
والصنف الرابع والأخير هو الماء النجس وهو الماء الذي تغير لونه أو طعمه أو رائحته بشيء نجس كالبول والخمر . فهو لا يستعمل لا في العبادات ولا في العادات .
كما أوضح الفقه الإسلامي  أنّ الطهارة عموما تنقسم  إلى  قسمين :
-         طهارة عادية : وهي النّظافة اليومية كالاستحمام وتنظيف الأسنان وحلق الشعر  ونظافة المحيط..إذ تتمّ بالماء الطاهر أو الطّهور.
-         طهارة عبادية : وهي  طهارة بكيفية مخصوصة لأداء العبادات أداء صحيحا وقع تفصيلها بشكل دقيق إذ قسّمت إلى : "طهارة الخبث" التي تخصّ إزالة النّجاسة عن البدن والثياب والمكان وتتمّ إمّا بالماء الطّاهر أو الطّهور  ، و"طهارة الحدث" التي تنقسم بدورها إلى طهارة كبرى وهي الغسل (صبّ الماء على كامل البدن) من الجنابة بسبب خروج المني أو الاتصال الجنسي ، أو بعد انقطاع دم الحيض أو النّفاس عند المرأة.. و إلى طهارة صغرى التي تتمثّل في الوضوء لأداء الصلاة، ولا يتمّ ذلك إلاّ بالماء الطّهور.

إذ نلاحظ أنّ الدّين الإسلامي حدّد أنواع المياه وضبط كيفية استعمالها بشكل دقيق . وقد مدح القرآن المتطهّرين بقوله تعالي :  " رجال يحبّون أن يتطهّروا والله يحب المتطهّرين ." ( التوبة 109) .

          وقد فصّل الفقه الإسلامي طهارة الحدث الأصغر أو الوضوء ، وبين بأكثر دقة فرائض هذا الوضوء وهي سبعة التي يجب على المسلم احترامها حتى تصح هذه الطهارة ، بل ذهب أكثر من ذلك في بيان سنن الوضوء وهي       ( ....... ) ومستحباته ( وهي إحدى عشر) ، ومكروهاته (وهي ثلاثة ) ، ثم أشار إلى مبطلاته أي موجباته ( وهي عشرة ) وشرح بالتفصيل كيفية هذا الوضوء ومراحله ( وهي تسعة ) .

         وأخيرا أبرز الفقهاء فوائد هذا الوضوء والحكمة من وجوبه : فرغم أنّه في ظاهره يهتمّ بنظافة الجسم إلاّ أنّه يؤثّر في طهارة باطن المتوضئ من غفران ذنوب ما ارتكبت كل الأعضاء والرجوع عماّ ارتكبه من الخطايا، ويصبح بالتالي من عباد الله الصالحين الذين يحضون برحمته ودخول جنانه،  كما جاء في الحديث النبوي : " من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ رفع طرفه إلى السماء فقال  أشهد أن لا إله إلاّ الله  وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا  عبده  ورسوله ، فتحت له أبواب الجنّة الثمانية يدخل من أيّها       شاء .. " (رواه مسلم وأبو  داود ) .
          بل إنّنا  نجد حديثا نبويا مدهشا يدقّق عملية الوضوء وما ينجرّ عنها من توبة وغفران الذنوب ، رواه الإمام مسلم في صحيحه – باب " خروج الخطايا مع ماء الوضوء " – أنّ رسول الله(ص) قال :   " إذا توضّأ العبد المسلم- أو المؤمن- فغسل وجهه، خرج من وجهه كلّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء-أو مع آخر قطر الماء- فإذا غسل يديه خرج من يديه كلّ  خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء- أو مع آخر قطر الماء- فإذا غسل رجليه خرجت كلّ خطيئة مشتها رجلاه مع الماء- أو مع آخر قطر الماء- حتى يخرج نقيا من الذنوب ".

            أمّا الغسل وهو السبب الرئيسي في إنشاء مؤسسة الحمّام فقد حضي باهتمام بالغ مثل الطهارة الصغرى حيث يعتبر الاغتسال المدخل الرئيسي والشرط الأساسي لكل نشاط ديني ، فهو يسبق الوضوء ، فلا يمكن أن نقوم بالوضوء إلاّ إذا كنّا على طهارة كبرى فهي " التي تعيد للإنسان كيانه    الأصلي " (1) و القرآن لا يمسّه إلاّ المطّهرون ، بل إنّ الميّت يجب غسل جسمه حتى يلقى ربّه في حالة الطهارة المطلقة الجسدية والروحية ..

 وهذه الممارسات تعكس بلا شك نمط حياة وحضارة تستند  على فلسفة أخلاقية تحترم الجسد وبالتالي تعتبر الطهارة بهذه المفهوم اعتناء دائما بنظافة الجسد حتى يؤدي وظائفه المشروعة في توازن متواصل.
 والمتتبع لتقنيات الغسل في الإسلام يندهش لتلك التفاصيل التي لا تترك صغيرة ولا كبيرة في الجسد إلاّ و اعتنت بها عبر رقابة ذاتية تكون في بعض الأحيان مفرطة إلى درجة الوسواس ؟  والهدف النهائي من طهارة الجسد كما قال الفيلسوف أبو حامد الغزالي : " هو تطهير غرائز النفس،  والقلب والروّح والنفس وهي كلّها ما ينبغي أن يتطّهر أوّلا وليس الجسد " ، فقد بيّن في كتابه " إحياء علوم الدين " الحكمة من الطهارة وصلة الطهارة المادية بالطهارة المعنوية، حيث استشهد بعدّة أحاديث نبوية منها " بني الدّين على النّظافة " و "مفتاح الصلة الطّهور " وقوله عليه السلام : " الطّهور نصف الإيمان ". وكذلك الحديث النّبوي : " الوضوء على الوضوء نور على نور " . .
          فهذه التوجيهات برهان جلي على العناية الفائقة التي يوليها الفقه الإسلامي لضبط أسس الطّهارة الشرعية حتى تحقّق للمسلم الأمان والطمأنينة من خلال سلوكيات نسلكها تجاه أجسادنا  مراعاة للأحوال والظروف .
وبهذا المفهوم العميق يصبح للغسل بعدا روحيا يعيد لنا ما فقدناه من توازن داخلي ، وبالتالي تتحقّق الطهارة المادية والطهارة المعنوية على حد سواء وهو ما أشارت إليه الآية القرآنية : " إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا " ( سورة الأحزاب/ الآية 33).

       ولعلّ أبرز مظهر من مظاهر الاعتناء الدقيق بالطهارة والغسل عموما، ما فصّله الفقهاء في كتب الطهارة من أبحاث في هذا المجال وذلك مثل: سنن الغسل - وهي خمسة لدى المالكية - ومستحباته - وهي سبعة - وموجباته    - وهي ستة - وكيفية الاغتسال - وهي سبعة - (1) .

المرجع :
كتاب " النزهة الزّهية في أحكام الحمّام الشرعية والطبيّة " ، تأليف الشيخ الإمام عبد الرؤوف المناوي ،حقّقه وقدّم له د. عبد الحميد صالح حمدان ،نشر : الدار المصرية اللبنانية ، الطبعة الأولى  1408 هـ  / 1987 م .



*طقوس/ آداب/ وتوجيهات صحية + الأدعية المتعلقة بالحمام:

يقول الإمام جعفر الصادق(1) :<< إذا دخلت الحمام، فقل في الوقت الذي تنزع (فيه) ثيابك:" اللّهم انزع علّي ربقة النفاق وثبني على الإيمان". فإذادخلت البيت الأول(2) فقل:" اللّهم إني أعوذ بك من شر نفسي وأستعيذ بك من أذاه". وإذا دخلت إلى البيت الثاني، فقل:" اللّهم أذهب الرجس النجس وطهّر جسدي وقلبي"، وخذ من الماء الحار وضعه على هامتك، وصب منه على رجليك وإن أمكن أن تبلع منه جرعة فافعل(3) فإنه ينقي المثانة. والبث في البيت الثاني ساعة. فإذا دخلت البيت الثالث فقل:" نعوذ بالله من النار ونسأله الجنة"، ترددها إلى وقت  خروجك من البيت الحار. وإياك وشرب الماء البارد والفقاع في الحمّام، فإنّه يفسد المعدة ، ولاتصبنّ عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن. وصبّ الماء البارد على قدميك إذا خرجت، فإنه يسلّ الداء من جسدك. فإذا لبست ثيابك فقل:" اللّهم ألبسني التّقوى، وجنبني الردى"، فإذا فعلت ذلك أمنت من كل داء >>
*آداب الحمام ستر العورة:
قال علي بن أبي طالب (ر)<< إذا قال لك أخوك- وقد خرجت من الحمام- :"طاب حمّامك وحميمك" فقل "أنعم الله بالك".
وقال أيضا في الستر عند دخول الحمّام:" إذا تعرّىالرجل، نظر إليه الشيطان، فطُمع فيه، فاستتروا>>.(4)
وعن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:" إنّ الله تعالى كره لكم-أيتها الأمة-أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنها...
إلى أن قال: كره الغسل تحت السماء بغير مئزر، وكره دخول الأنهار إلا بمئزر، وقال: في الأنهار عمّار وسكان من الملائكة، وكره الدخول للحمامات إلا بمئزر".(5)
وعن أنس(ر) قال: قال رسول صلّى الله عليه وسلّم:" ستر ما بين أعين الجنّ وعورات بني آدم، أن يقول الرجل المسلم -إذاأراد أن يطرح ثيابه: بسم الله الذي لا إلاه إلا هو" رواه أبن السنّي.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) نقله عنه: الحسن بن علي الصوفي، عن حمزة بن قاسم، عن الفرزاني، عن محمدبن حمران.(من كتاب آمالي الصدوق، ص:219)
(2) كانت قاعات الحمام تتكون من المحرس أو المسلخ وهي القاعة الكبرى تتميز بالبرودة اليابسة، والثانية ففيها الماء الباردفهي باردة رطبة، والقاعة الثالثة فيها الماء الحار فهواؤها حار رطب، أمّا الرابعة فليس بها ماء وهو مستحم من تحتها، وكان المستحمون يمكثون فيه للإستدرار العرق وهو حار يابس. والملاحظ هنا أن تركيبة الحمام قد وضعت طبقا للعناصر والأخلاط الأربعة وهي: البارد اليابس، والبارد الرطب، والحارالرطب ثم الحار اليابس


مقــدمــة

لقد لعب الحمّام دورا مؤثّرا في حياة المسلمين في مناسبات دينية واجتماعية كثيرة ، وقد أضحت لمؤسسة الحمّام تقاليدها وأحكامها بوصفها المكمّل الطبيعي للجامع نظرا لارتباطها بمفهوم الطهارة  الجسدية والروحية ، وهو ما يفسر انتشارها بسرعة وبشكل ملفت للانتباه ، حيث لا تخلو مدينة أو قرية من الحمّام العامة الذي أصبح جزءا رئيسيا من النسيج العمراني للمدينة الإسلامية و أحد أقطاب الجذب الاجتماعي للمسلم : منذ ما قبل الولادة إلى الوفاة ، من خلال طقوس امتزج فيها الصحّي بالعلاجي والديني بالاجتماعي،  إلى درجة أنّه " حدث في حالات كثيرة أن اجتمع الجامع والحمّام في مبنيين متلاصقين مثلما كان عليه الحال في جامع سنان باشا في القاهرة الذي شيّد عام 1571 م ، أو لا يفصل بينهما إلاّ بضعة أمتار كما هو الشأن - على سبيل المثال – في جامع الوزير يوسف صاحب الطابع وحمّامه أو كذلك جامع الزيتونة وحمّام القشّاشين بمدينة تونس ..
---------
(1) راجع تفاصيل تلك الأحكام ، في كتاب "' أحكام الصلاة والطهارة على مذهب السادة المالكية "، تأليف سعد بن عمر بن سعيد جليا الفوني التيجاني ، مكتبة المنار ، تونس ، بدون تاريخ .
  





* تعريفه لغويا :
 الحمّام (بتشديد الميم الأولى ) يجمع على حمّامات ، وهو مشتق من الحميم وهو الماء الحار ، لذلك سمي حمّاما لحرارته وهو  ما ذكره القرآن في قوله تعالى : " كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطّع أمعاءهم "   (1). إلاّ أن الشيخ أحمد بن على الفيومي (بعد 770هـ ) في كتابه " المصباح المنير " أنّ الأصل هو التأنيث وعبارته هي الحمّام وجمع حمّامات على القياس. أما الشاعر أبو العلاء المعري (ت.....) فقد جعل التذكير والتأنيث سيان .
ومن أخصّ صفات الحمّام هو تنقية البدن ممّا علق به من أوساخ ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالغسل بماء حار في مكان هواؤه حار ومحبوس .

 أمّا تاريخيا :
 فإنّ عرب الحجاز وما حولهم فلم يكونوا يعرفونه قبل البعثة النبوية، ولم يعرفوه إلاّ بعد وفاة الرسول (ص) بعدما فتحوا بلاد الشام .

 تحفظ  المسلمين الأوائل على دخول الحمام :
- لقد اختلف الفقهاء المسلمين في حكم دخول الحمام : فمنهم من نهى قطعا عنه للرجال والنساء على السواء إستنادا للحديث الذي رواه " البيهقي (2) عن عائشة زوجة الرسول (ص) أن النبي (ص) قال : " بئس الحمام ، بيت لا يستر وماء لا يطهر" وفي حديث أخر : " بئس الحمام ينزع من أهله الحياء" (3) و  -- -- من خلال هذه الأثار أن أصحابها لم بكر هوه لذاته بل بسبب كشف العورات فيه ، وهو ما أوضح ، الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين" بقوله : " نعم البيت الحمام يطهر البدن ويذهب الدرن ( أي الوسخ ) ويذكر النار ، وبئس البيت الحمام يبدى.

------------
(1) سورة محمد ، الأية 15
(2) البيهقي
(3) رواه أبن أبي شيبة بسند صحيح
(4)    

5
العورة ويذهب الحياء :
-                 الرأي الثاني فهو يبيحه للرجال ويحرمه على النساء لما ورد في حديث عائشة أنها قالت : "سمعت رسول الله (ص) يقول : الحمام حرام على نساء أمتي " .
-                 الثالث الحمام حرام على نساء أمتي "
-                 أو الثالث فيقول بإباحته للرجال وتحريمه على النساء إلا لضرورة كمرض أو نفاس، وقد إعتمد هذا الموقف على بعض الأقوال ، منها حديث روي عن عمر بن الخطاب : " لا تحل الحمام لمؤمنة إلا من سقم ."
-                 أما الرابع فإنه يحل للرجال بلا كراهة ، وللنساء والخناثى (2) بكراهة بشرط التستر وغضى البصر .
-                 ويمكن القول في كل هذا أن الفقهاء لم بمعنوه لذاته بل لإرتباطه بإحدى المحاذير التي تقدم ذكرها خوفا من الفساد والفتنة .

* آداب وطقوس الحمام الإسلامي :
- مدخل حول الأثر الديني في ........




---------
(1) إحياء علوم الدين ، ج 1 ، ص 138
(2) جمع خنثى ، وهو من له عضو الرجال والنساء معا ، وتجمع على ختاث كذلك .

6
-                 ومن أبرز هذه الأداب وأعمها التستر عند دخول الحمام في كامل مراحل الإغتسال ، ويشترط إرتداء مئزر (فوتة ) غير شفاف مانع لظهور البشرة في أماكن يحرم النظر إليها حيث طالب النبي (ص) بستر العورة عند الإغتسال فقال : " يا أيها الناس إن الله حليم حيّي يحب الحياء والستر فأيكم إغتسل ، فليتوار بشئ " وفي حديث رواه الطبراني (1) في الأوسط (2) عن ابن همر (3) مرفوعا (4) أن النبي (ص) قال: من كان يؤمن بالله واليوم الأخر، فلا يدخل الحمام إلا بمئزر " .
-                 ووجب على المسلم الإمتثال لأمر الشرع الإسلامي ليكون له أجرا في دخول الحمام بنية الطهارة دون الترفه ففي حديث للإمامي البخاري ومسلم في كتاب الجمعة"  عن أبي هريرة (5) مرفوعا : " حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ، يوم يغسل فيه رأسه وجسده، والأولى أن بكون ذلك يوم الجمعة ، فإذا دخل بهذه النية أثيب لإمتثال أمر الشارع ".
-                 ويكره دخول الحمام في حالة صيام لأنه يرهق البدن ويضعف البصر ومن العادات لدى المسلمين إجتناب دخوله قبيل الغروب إعتقادا منهم أنه وقت إنتشار الشياطين .
-                 كما يكره دخول مع مصاب بمرض معد مثل الجذام والبرص والجرب والسل وغيرها ، حيث تكون العدوى أسرع من أي مكان آخر نظرا لسرعة إنتشارها عن طريق البخار والحرارة والماء .
-                 وقبل الدّخول إلى الحمام يسمي بسم الله ، ثم يتعوذ من التابعة (6) حيث يقول – كما جاء في كتاب إحياء علوم الدين للعزالي – " بسم الله الرحمان الرحيم ، اللهم إن أعوذ بك من الرجس والنجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم " . وإذا نزع ثيابه إستحب له أن يقول : "

----------
(1) الطبراني
(2) الأوسط :
(3) ابن عمر :
(4) حديث مرفوع :
(5) أبو هريرة :
(6)        التابعة (الإتباع )


7


" بسم الله " ثم إذا دخل إلى الحمام قدّم رجله اليسرى إذا خرج منه قدم رجله اليمني ".
هذا ويكره داخل الحمام أن يكثر فيه الإنسان الكلام وسترا للعورة وصونها " لا يتعاطى أمرها وإزالة وسخها إلا بيده ولا يمكن لغيره أن يدلك له لا يحل مسه ، وهو ما بين السّرة والرّكبة " (1) بل يذهب بعض ---- إلى عدم مش " كل ما هو مظنة الشهوة "' (2) أما إزالة الوسخ فمن  المحبذ أن بتولاه بنفسه ، وإلا إختار  "طيتبا " (بلانا) عارفا بالآداب  --- .
-                 ومن التوجيهات النبوية ، عدم الإسراف في إستعمال الماء ، ولو كان الغرف من نهر جار كما جاء في الحديث النبوي (3)  + + +
-                 وعند الخروج من الحمام جرت العادة أن يصب على نفسه ماء على شرط أن " لا يزيد على سبع طاسات لأنها مظنة الشفاء " (4) وقد نص الطبيب الرازي (5) على أن من كان به نزله برد بصب على رأسه سبع طاسات ماءا معتدلا لإعتقاده في الشفاء من مرضه
----------
(1) النزهة الزهية في أحكام الحمام الشرعية ص 34
(2) نفسه ، إسنادا لماجاء في كتاب التحقيق " للإمام محي الدين يحي بن شرف النووي
(3) وهو حديث أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده
(4) النزهة الزهية ص 42
(5) هو أبو بكر بن زكريا ء الرازي

8

-                 (  تابع + + + ) لذا أعتبر أن الإسراف في ماء الحمام حرام

* منافع الحمام الصحية والعلاجية:
-                 إن الوظيفة الرئيسية للحمام هي نظافة كامل الجسم بإزالة الأوساخ منه بعد أن يبلل بماء دافئ لمدة معينة بماء و هواء حار بين فهما مسخنان محلان.
-                 أما منا فعه فكثيرة بحسب مزاج كل شخص وقد أشار الطبيب اليوناني "جالينوس " ( 131 م – 201 م ) :" الحمام نافع شتاء وصيفا ، ولمن مزاجه حار وبارد ورطب ويابس فالحمام علاج للبدن من  -- إن وجد البدن حارا عدله بترطيبه وإن وجده باردا أدفأه بحرارته ... وهو ( أي الحمام) يوسّع المسام ويستفرغ الفضول ويحلل الرياح ويلين البدن ويحسن اللون وينفع من الإستسقاء (1) والدق (2) ، ويبسط الأعضاء المتشنجة وينضج النزلة والبثرة (3) والحمّى البلغمية بعد نضجها ، ووجع الجنب والصدر ، وينضج الربو ويسمن المهزول ويهزل السمين ، ويرقق الدّم  ... كل ذلك إذا إستعمل على قانونه بقدر .. " . وقد أكّد هذا المنحى الشيخ عبد الرؤوف المناوي (952 هـ        م- 1031هـ   -          ) أنّ فضائل الحمام ومنافعه لا حصرلها شرطا "' إذا استعمل على الترتيب الذي يجب والبدن الذي ينبغي ، كان دواء فاضلا ورياضة نافعة لتفتيحه للمسام وتنقيته للفصول وتلطيفه لغليظ الكيموسيات (5) وغير ذلك مّما هو مجرب ." (6) .
-                 ولا شك أن الحمام يريح البدن ويجدد له نشاطه وحيويته ويخفف من التوتر العصبي ، كما أنه يساعد على النوم المبكر الذي يحتاجه الإنسان في وقته الطبيعي حتى يستيقظ باكرا دون كسل ولا ملل .
-                 إلا أن المكوث فيه طويلا سيما إذا كان غير معتدل الحرارة .

---------
(1) الإستسقاء : تجمع الماء في البطن عن مرض يسمى السقي
(2) الدقّ : أو حمّى الدق " هو داء تعرفه العامة بالسخونة الرفيعة .
(3) البثرة : جمهعا بثور ، وهي خراج صغير ( تسمى أيضا حب شباب)
(4) نقلا عن كتاب النزهة النزهة في أحكام الحمام الشرعية والطبية " ص 66
(5) مفردها كيموس وهي علمة يونانية الأصل معناها الحالة التي يكون عليها الطعام بعد فعل المعدة فيه

9









* يدخل على البدن الضعف والكرب :
بحيث يكون اللبث فيه بقدر ما يستطاب إن كان الإنسان غير عليل ، وإلا خصلت منه مضار عديدة خصوصا لمرض القلب ونحو ذلك ، ومنها أنه ( أي الحمام) " يثير الحميات ويسخن القلب ويضعفه ويحدث الكرت ، حتى إنه جلب الغش (1) ، ويهيج القيء والغثيان والرعاف (2) وهن جميع القوى.." (3) ولهذا قال البعض أنه موافق للأصحاء في جميع الأعمار وفي كل الأوقات والبلدان : وخلاصة القول أنه لا يضر إلا مع الجهل بقوانينه، فإذا ما تم احترامها بحسب المزاج والسن والفصل والبلد وغير ذلك كان نفعه متأكدا بشهادة الناس والأطباء في كل عصر و مضى

* ومن النصائح التي قدمها لنا القدماء فيما يطلب فعله عند دخول الحمام:
-  قبل الدخول إلى قاعات الحمام يبدأ  المسلم بالبسملة والتصلية، ثم ينوي الغسل للقيام بالطهارة الكبرى .
- ممارسة بعض الحركات الرياضية قبل دخوله ولكن المصابين ببعض الأمراض مثل القلب وغيرها فإنهم يقومون بحركات خفيفة مثل المشي اللطيف، وإذا دخل الحمام ووجدوه شديد الحرارة إمتنعوا عن دخوله لأنه يكون سيئا في الصداع وما ينجر عنه من الكرب والإغماء في بغض الأحيان.
- لا يدخل الإنسان الحمام عقب حركة عنيفة ولا على تعب ولا جوع ولا على إستفراغ (4) ، كما لا يفعل من ذلك بعد خروجه منه .
تجنب الغذاء الغليظ واللزج ، وفي المقابل ينصح بشراب التفاح أو الرمان أو الليمون والبرتوقال أو أن يتناول شيئا من زنجبيل مربي ونحوه .
- عدم دخول الحمام أو الخروج منه فورا خصوصا في فصل الشتائ والهواء بارد.
------------
(1) الغشاء : الإغماء
(2) الرعاف : خروج الدم من الأنف
(3) نسفه : ص 68
(4) الإستفراغ : القيام بعملية الجماع

10

- هذا وقد ذكر القدامى في الحكماء المسلمين حكم مياه الحمام الحار والبارد والفاتر ، أما الفاتر المعتدل ، فمرطب ، مسخن ، وجيده ما فتح المسام بإعتدال ، ومنفعته للأجسام العليلة ومن كان له كسر في العظام وهو يناسب مع الأمزجة المعتدلة ، سيما للأطفال (1) حيث يساعد على تسكين الأوجاع من الرأس والإحتراق العارض من الشمس ، ويكسب الأعضاء رطوبة ويشرق البشرة وينورها. كما أن الإستحمام بالفاتر يساعد على النوم .
أما الماء الشديد الحرارة فهو يوافق الشيوخ في الأزمنة و البلاد الباردة، حيث يسخن كثيرا ويرطب قليلا . وإذا أكثر منه أرخى الأعصاب وأحدث الإرهاق وأضر بالقلب ، وربما كان سببا في موت المفاجئ .
فهذا الصنف وافق الأمزجة الحارة والشباب في الصيف والبلاد الحارة.. أما الإستحمام بالماء البارد فهو يساعد على الهضم ويكن من العطش ويحسن لون البشرة، ويزيل الثوثر. والماء البارد يوافق الأمزجة الحارة زمن الحر إلا أن إستعماله مضر بعد التعب والجماع والسهر والقيء ...
-                 ويقدم لنا الشيخ الريئس ابن سينا حكمته عند الإستحمام بقوله لمن أراد أن يستحم بعذه المياه ، أي في الحمام ، فليستحم بهدوء وسكون ورفق وتدريج في ذلك ، لأن التدريج يقل الإحساس بالمنافيات ، وقلة الإحساس توجب قلة الضّرر.

---------
(1) نفسة : ص 85 

10 مكرر


-                 والمطلوب هو الدخول تدريجيا  حتى يأنس بالحرارة ويألفها رويدا رويدا ، كما يتعين خروجه تدريجيا حتى يأنس بالحرارة ويألفها رويدا رويدا، كما يتعين خروجه تدريجيا بمكونه في كل بيت فترة قليلة ثم ينتقل إلى الآخر ثم يستقر مدة تقل أو تزيد عن نصف ساعة حتى يرتاح البدن ويتجفف ويبرد ، لأن الإنتقال من هواء إلى هواء دفعة هو كثير الضرر .
-                 كما يجب أن يكون المكوث في الحمام في الصيف زمنا قليلا . أما في فصل الشتاء يمكث بقدر ما تحمر البشرة وتتشرب الرطوبات المائية ، وينجذب الدم إلى ظاهر البدن .
-                 يتجنب من هو في الحمام تعاطي الأشياء الباردة لأن المسام منفحة حيث يندفع البرد داخل الأعضاء الرئيسية كالقلب والرئتين ونحو هما وهو ما يسبب – بمرور الزمن وتكرار العادة – في أمراض مثل السل ووجع الكبد والتقلصي القلبي ... وينبغي أن يستعمل في كل بيت من بيوت الحمام الماء المناسب لهوائه .
-                 لا يصب الماء على البدن عقب دخول الحمام بل يجب أن يتعرق أولا ثم يستعمل قليل الدلك حتى يلين ويتحلل الوسخ ، ثم يصب الماء الحار على كتفيه وبقية بدنه دون الرأس ، فهذا الأخير لا يغسل إلا  آخرا بالماء الحار فقط لا البارد ولا الفاتر – كما جاء في كتاب النزهة الزهية في أحكام الحمام الشرعية والطبية .
-                 إن عملية دلك البدن هي أول ما يطلب فعله في الحمام ، وذلك قبل التحليل ، فإن تأخر فسد، وإن قدم عليه نوع من أنواع الزيوت لم تخرج الأوساخ ، ويتبع الدلك بالدهن ليصلح العضلات وتنعم البشرة ويحلل ما تحت الجلد بسريانه في المسام التي فتحها الدلك . ويجب أن يكون الدلك معتدلا حتى ينشط الدورة الدموية في أماكن الجسم مما يزيد الإنسان حيوية وراحة في الأن نفسه ، كما يشد الأعضاء المسترخية ويصلّبها . مع الإشارة إلى أن الدلك لكل إنسان بحسب حاجة ووضعه الصحي .
-                 وجرت العادة في الحمام – حلق الرأس لأنه نافع للصداع مسكن له خصوصا إذا دهن بعده بزيت الورد . كما يعتقد أن كثرة الحلق  - وأعدله مرة في الأسبوع ينور الوجه ويقوي البصر .. هذا إلى جانب حلق العانة والإبطين .

11

-                 وأما حك الرجلين في الحمام ، فإنه ينفع من وجع الساقين والوركين ويفتح المسام ويزيل الصداع ويذهب الإعياء .
-                 وينصح بإجتناب  الجوع والإرهاق والغضب في الحمام ، والإبتعاد عن أكل الأطعمة الكثيرة والمتنوعة ، لأن المعدة تمسك الطعام وتهضمه أسرع إذا كانت من نوع واحد . مع التأكد أن الأكل في الحمام مضرا جدا ، ولكن من معدته ضعيفة فلا بأس من تناول الرّمان أو السفرجل أو التفاح : و نوع من أنواع الربوب (1).
-                 وأما شرب الماء البارد عقب الخروج منه ، فهو ضار يؤلم القلب ويضعف المعدة والكبد لأن الأحشاء تكون حينئذ ملتهبة ، ولذا شرب الماء الشديد الحرارة .


* ما يطلب فعله عند الخروج  من الحمام وبعد الخروج منه :
ينبغي ألا نخرج من الحمام دفعة واحدة ، بل يجب التدرج في الخروج وكذلك الدخول ، حيث نمكث في كل بيت هنيهة حتى يتهيأ الجسم للحرارة أو البرودة بصورة تدريجية تساعده على التأقلم مع درجة حرارة المكان المقصود . وقال بعضهم " ينبغي عند إرادة الخروج تبريد الأطراف بماء بارد ، أي بأن يبل يده ويمسحها به ، ويمسح وجهه لا سيما في الصيف ، لكن هذا شرطه البدن والسلامة من آفات الرأس ... " (2) .
-                 كما ينبغي لمن أرادا الخروج من الحمام ، أن ينشف جسمه بمنشفة نظيفة تجنبا للأوساخ والأمراض المعدية ، وقد جرت العادة عند البعض أن يجعل على بدنه قطنا معطرا بماء زهر الأترج (3) أو ما زهر  --- .
-                 ويكون اللباس في الصيف من الكتان مطيبا بماء الورد و --  بحيث يجلس المستحم في قاعة المحرس ( أو المسلخ ) ليشح رائحة البخور ريثما يتمتع  بنصيبا من الراحة ، ثم يتناول كوبا من الماء البارد أو من العصير . وإذا خرج من الحمام تدرج في مشيته إلى أن يصل إلى مسكنه ، أو يركب إذا كان بعيدا . ويعد وصوله إلى  منزله يشرب عصيرا من الحوامض ثم ينام . يقول أبن سينا
 --------
(1) الربوب : جمع رب ( بضم الراء وكسر الباء المشددة الثمار مثل ----
(2) النزهة الزهية ، ص 82
(3) الأرج : ثمر من جنس الليمون
(4) النارنج : نوع من أنواع الليمون .

12


* المرأة والحمام :
- يعتبر الحمام في – ليست بالعيدة – المتنفس الوحيد للمرأة المسلمة حيث ترى فيه نوعا من التواصل الاجتماعي مع قريناتها هي لإستقاء أخبار الحي أو القرية وتبادل المعلومات وفرصة لتفحص الأجساد النسوية خصوصا الصبايا المرشحات للزواج ليتمكن من معرفة تفاصيل خاصياتها الجسدية حتى تكون المعلومة المنقولة أكثر دقة ويكون القرار على بينة فالحمام بهذا المعنى يصبح المكان الاجتماعي الأكثر شفافية وحميمية .
- وتقوم المرأة بتحضيرات قبل دخول الحمام حيث تحمل . العديد من العلب الحاوية على أدوات الزينة مثل : المشط ( أو الفلاية ) والمشط الكبير والحنة والسواك ونوع من أنواع العجينة لإزالة الشعر من الإبط والذراعين والساقين والفخذين ثم العانة : أما الوجه والخدين فمن المستحسن إستعمال الملقط أو بواسطة خيط كم تحمل أنواعا معها من – للعطور ، والثياب النظيفة والمنشفة ، وماء الزهر ومشروبات مثل شراب اللوز وعصير.

* مراحل الاستحمام لدى المرأة :
- وبعد أن تنزع ثيابها في المقصورة وهي المحرس ، ثم تتجه مباشرة إلى القاعة الساخنة أو ما يسمى بالعراقة أي غرفة التعرّف لتمكث فيها مدة تزيد أو تقل عن الساعة حتى يعرق كامل الجسم ويكون مهيأ لإفراز أوساخه . وعندئذ تطلب من المدلكة أو الحارسة لتقوم بتدليكها ثم فرك جسدها بكف من الصوف. وبعد ذلك يصب الماء الدافئ على كامل الجسم لإزالة كل الأوساخ.
- في مرحلة ثانية يقع الإعتناء بنظافة الرأس وفرك الشعر بأنواع من الطين مثل الطفل الترابي المعطر بنبات العطرشية ، بعدها يقع غسله بالماء الدافئ بتسريحهعدة مرات بالمشط الصغير أو ما يسمى بالفلاية التي تساعد على إزالة بقايا الشعر والقشرة .

12 تابع

- بعدها يصقل أكف القدمين بأحجار (    --- ) وفي مرحلة ثالثة يحنى شعر الرأس ويترك مبللا بالحناء لبعض الوقت حتى توثر في لون الشعر ، وفي إنتظار ذلك وبعد قضاء فترة من الراحة تشغل في تبادل الحديث بين الفيئة والأخرى ، تقوم المرأة بإزالة شعر الإبطين ومؤخرة الرقبة والذراعين والفخذين ثم العانة ، وذلك بواسطة معجون مكثف حامض الليمون والسكر (النقاء ) ... + ص 212 ص 213 .

( ولكن الحمّام باعتباره مكانا للتطهر  - هو الغرفة الخلفية من المسجد. وعند يخرج المسلم منه مستعيدا طهارته الشرعية ومتصالحا مع إيمانه ومع المطلق، يصبح قادرا على إستعادة إيقاع التدين الذي إفتقده مؤقتا حين إستسلم لملذات اليروس السليمة .. ) ص 215 .
* ( ... فهناك من يذهب إلى الحمام كل صباح ومن يذهب إليه مرة أو مرتين في الأسبوع أو مرة في الشهر ... ) ص 215

الفصل الخامس :
طهارة مفقودة فطهارة مستعادة : ( ص .ص. 59 – 75 )
- إن الدين الإسلامي كان دوما حريصا أشد الحرص على أن تكون الإنسان المسلم على طهارة دائمة سواء كانت صغرى عن طريق الوضوء أو كبرى عن طريق الإغتسال . فالمسلم يعيش هاجس الطهارة حتى يبقى على صلة بالله إلى درجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينصح بإصباع  الوضوء أي إعادة الوضوء وتحديده عندما يحين وقت إحدى الصلوات الخمس الواجبة رغم أنه لا زال على طهارة صغرى ، وتشجيعا له على ذلك وعده بمزيد الأجر والبركة حيث قال : " إذا قمت في الصلاة فآسبغ الوضوء ثم إستقبل القبلة وكبر ." رواه مسلم .
- والمتأمل في نشاط المسلم اليومي في كل المناسبات الدينية والإجتماعية وكذلك يدرك أن طهارة الجسم هي الشرط الأساسي لتلك الممارسات والطقوس وبالتالي فهي عبارة عن سلسلة متعاقبة من حالات الطهارة المكتسبة ثم المفقودة أو النجاسة المزالة ثم المستعادة : وليس الإنسان أبدا طاهرا بشكل نهائي " (1)
-----------
(1) الجنسائية : ص 59




: " كل ضرر يحل بعد الحمام بالبدن منسوب إليه ما لم ينم ، فإذا أفاق فكأنه لم يدخل الحمام ".
- كما ينصح بتجنب جميع أنواع الانفعالات النفسية بعد الخروج من الحمام ، وكذلك اجتناب الجماع يوما وليلة بعد الحمام إضافة إلى الإمساك عن الطعام لمدة لا تقل عن ساعة ، سيما الطعام الحار  ..

* المرأة في الحمام :
أغنية تونسية حول الحمام
حط برقدانة في السّر و رويس مصلي وشطر
وقازوزة و كويلو تمر وأقصد ربي للحمام.

* ثلاثة أجودهم العتيق : البئر والحمام والصديق :
* قال الفيلسوف الصوفي محسن الدين بن عربي (2) : ليس في أحوال الدنيا ما يدل على الأخرة بل على الله تعالى وعلم قدر الإنسان مثل الحمام ، ومن ثم قال عمر رضي الله عنه : الحمام تذكر الأخرة ."

*  مختار ممّا أنشيد في الحمام :
* قال أبو طالب عبد السلام المأموني العباسي (1) : من الوافر )

وحمـــــــــام لـــه حرّ الجحيم      * * *       ولكن شابه برد النسيم
         فذقت به ثوابــا في عقـــــــاب    * * *      وزرت به نعيما في جحيم ،


* وقال ابن الذروى : (من الخفيف)
إن عيــش الحمّام أطيب عيـــــــش     ***    غيــــر أن المقــــام فيهــا قليـــــل
هــــي مثل الملوك تصفي لك الو      ***   د قليـــلا لكنه يستحيــــــــــــــــــــل
جنـــة تكــــــرة الإقامـــة فيهـــــــــــا      ***   وجحيــم يطيب فيــه الدخـــــول
  وكـــــأن الغريق فيهــــــــا كليــــــم     ***    وكـــأن الحريـــق فيهـــا الخليــل

-------------
(1) عبد السلام المأموني العباسي : من أولاد المأمون توفى سنة 383 هـ   / ...  م
 (2) محي الدين بان عربي ( 638 هـ  /  ..... م ) من علماء التصرف وأغزرهم تأليفا ، حيث لقب بالشيخ الأكبر من أشهر ما ألف الفتوحات المكية " وقصص  الحكمة ...




العاملون في الحمام  /ص 213 / 248

-                 إنّ الحمام في الحضارة العربية الإسلامية مؤسسة ذات تركيبة خاصة تتماشى ودورها الوظيفي حيث يعمل فيها عدد من العمّال ذووا الإختصاصات المتكاملة . وقد يختلف عددهم زيادة أو نقصانا بحسب حجم الحمّام وموقعه وكذلك نوعية رواده. ولكل عامل من هؤلاء دور مميز يكلف به ولا يتعداه . وبمرور الزمن وأكتساب الخبرة يترقى العامل في وظائف الحمّام المختلفة : فيبدأ أجيرا بسيطا ثم يصبح تابعا (تبعا ) (1) .. ثم يرتقي تدريجيا إلى أن يصبح ريسا ( أو معلم ) أو ناطورا . (2) وهم يتسلسلون في هذا العمل بموافقة أمين الحمامين (في تونس ) أو مشيخة الكار ( في الشام ) .وقد يتوارثون تلك الوظائف أبا عن جد ويتقنون أصول هذه الصنعة أو تلك وتقاليدها في التعامل مع الزبائن " إلاّ أنّ ذلك أصبح نادرا في أيمنا هذه ".

* وهذا تسلسلهم ومهام كل منهم :
1- المعلم الحمام : وهو صاحب الحمام أو مستأجره. يقوم بتوجيه كل العاملين بالحمام لتأمين الخدمات للزبائن. وهو المسؤول عن سلوكهم وتصرفاتهم ونشاطهم بالحمام .
يتخذ المعلم دكة تكون عادة على يمين مدخل المسلخ ( المحرس ) وهو موقع يمكنه من مراقبة الداخلين والخارجين، حيث يقوم بالترحيب بهم، ويطلب من نائبه ( الناطور أو الحارس) أو أحد العاملين بالإسراع في تلبية طلبات الزبون إعطائه ميزر . كما يقوم

----------
(1) تابع في الحمام
(2) ناطور : هو من ينوب المعلم أثناء غيابه ويقوم مقامه  Le gerant
(3)     
(4) الحمامات الدمشقية   ص 231
(5) أمين الحمام أو شيخ الكار : هو الذي يشرف على تسليم الحمّام وعدته ، ومراقبة أسلوب العمل في إستقبال زبائن الحمام وخدمتهم وتأمين راحتهم .. وبالتالي الحفاظ على سمعة المهنة وجودتها وحل المشاكل التي قد تحدث بين أربابها والعاملين بالحمامات وبين أولئك  رواد الحمامات ( انظر كتاب : --- كبّا الحمامات الدمشقية ، طبع مطابع ابن خلدون ، دمشق 1986 ، ص 232


1




العاملون في الحمام :

كما يقوم بإستلام الأشياء الثمينة من الزبون وذلك مثل الدراهم والساعة وغيرها من الأمانات ويضعها في صندوق الأمانات ليسلّمها له بعد الاستحمام . ويتقاضى من الزبائن أجر الاستحمام .
2- الناطور ( الحارس) : وهو شخص يعين المعلم في أعماله أو ينوبه فيغيابه . وإضافة إلى ذلك فهو المسؤول عن نظافة الحمام وترتيب أثاثه وأدواته . كما يقوم بوضع ميزر (فوطة)على حبل عند مدخل باب الحمام كإعلان على أن الحمام في هذه الفترة للرجال .

- ويكلف أيضا بتقديم المشروب والمرطبات للزبائن خلال أو بعد الإستحمام . أمّا معاملته للزبون فتتمثل في إستقباله بالترحب ومساعدته على خلع ملابسه حيث يبسط له ميزرا ليستره عن العيون حتى يتم خلع ثيابه ، ثم يضع على كتفي وظهر الزبون ميزرا آخر ، بعدها يدخله إلى البيت الوسط ( الوسطاني ) ليسلمه إلى المدلك ( الريس ) إذا رغب في الإستحمام بمساعدته وإلا تركه يستحم بمفرده .
إضافة إلى هذه الأعمال يقوم الناطور أحيانا بمساعدة أحد العمال بغسل الميازر ونشرها بعد إستعمالها من طرف الزبائن . كما عليه حفظ ملابس الزبائن في خاصة بكل زبون . وعند إنتهاء الزبون من الاستحمام يستقبله الناطور بالميازر ويضعها على باب المقصورة وهي : " -- -   " يلّف بها خصر الزبون ، والرأسه لتوضع على رأسه ، وأخيرا " الظهرية " لتوضع على كتفيه وظهره . ثم يدع الزبون يستريح فترة من الزمن في الوسطاني (      )....
بعد ذلك يخرج المستحم إلى المحرس ( البراني )، فيبدل له الناطور الميازر مرة أخرى ويفترش له ميزرا ليستلقي عليه ، ويقدم له خلال تلك الإستراحة المشروب الذي يطلبه الزبون ( قهوة ، شاي ، عصير برتقال ... )

-----------
* الناطور : الذي ينطر الأثاث أي يحرسه ، فهو الحارس ، وهذه اللفظة مستعملة في بلدان المغرب العربي .

2





العاملون بالحمام :
3- الريّس ( الطيّاب ) :
يتمثل عمله في تحميم وتكييس ( تفريك ) وتلييف الزبون ، إضافة إلى تنوير الحمام.

4- التبع (         ) :
يقوم باستقبال الزبائن فور دخولهم إلى البيت البارد ( الوسطاني ) وتقديم الزبون إلى الرئيس . كما أنه ينقل الماء البارد إلى الأحواض ليعدل حرارة الماء فيها . وكان أجره رمزيا لأنه كان يحصل على الإكراميات (pourboire ) من الزبائن مقابل خدمتهم . وكان عليه أن يجهز المقصورة بالصابون بالدواء ( الكلس أو الزرنيج لإزالة شعر الإبطين والعانة ) ويقوم  أيضا بغسل رأس الزبون وتلفييف ظهره وإحضار الميازر للزبون بعد إنتهائه من الإستحمام وينشف جسمه قبل الذهاب إلى بيت البارد ( الوسطاني ) .

* وفي فترة إستحمام النساء :
نلاحظ أن الوظائف هي تقريبا نفسها مع إختلاف أسماء العاملات في حمام النساء ومن ذلك :
1-   المعلمة : تقوم بنفس مهام المعلم، وتكون عادة زوجة المعلم أو إحدى القريبات، أو أنها تكون مستأجرة تعمل على حساب المعلم ، إذا تشرف على شؤون الحمّام وإدارته، وقد تكون مهمتها أعسر من مهمة المعلم لأن عليها فض النزاعات التي كثيرا ما تحدث بين السيدات لأسباب تافهة .
2-   الناطور : ( الحارسة ) : مهمتها مماثلة تماما لمهمته ناطور حمام الرجال من إستقبال الزبون وحفظ أدباشهن ، وإحضار الميازر أو المناشف الخاصة بكل أسرة .
3-   الأسطة : ( المدلكة ) : وهي مثل الريس ، إلا أنها غير ملزمة بإحضار الصابون والكاسة ( الليفة) والطاسة  ... لأن السيدات يجلبن معهن كل ذلك فضلا عن مناشفهن وميازرهن  . والملاحظ أن عملها يصل إلى ذروته في مناسبات الأفراح كالأعراس وحمام الفسخ والأربعين الحج ... حيث يكون مدخولها من المال والهدايا والحلويات أكثر من الأيام العادية .
4-   البلاّنة (         ) : دورها مماثل لعمل " التبع " في فترة إستحمام الرجال ، إلا أنها تقوم بأعمال أخرى خاصة بوضعيات بعض النساء وذلك مثل ---- الحناء للمنسبات ودهنها النفساء بخليط من الزيوت النباتية والمواد مثل أصفر البيض والقرفة (1) والأس (2)  والدبس (3) .

* أما العاملون في ملحقات الحمام ( ---  أو الفرناق)
1- الوقاد ( أو القميمي في الشام أو الفرانقي في تونس والسخان في المغرب) : وهو المكلف بإشغال الموقد ( الفرناق) وبالتالي تسخين الماء الضروري للإستحمام .. ويساعده في هذه صبي أو أكثر وكان الوقاد يستفيد من أجرة تسر .
2- الزّيار : ( أو الغيار في المغرب والفرانقي في تونس) : هو من معاوني الفرانقي ، يكلف بجلب  الأزبار اليابسة ( أو الحطب ) ، لإستعمالها كوقود للإحتراق، حيث يقوم بوضعها في المزبلة الخاصة بالحمام ثم نشرها بالشمس لتجف، وقلبها بعد أيام ويخلطها ثم يراكمها على بعضها لنقلة ثانية إلى قميم الحمام لاستخدامها وقودا لتسخين مياه الحمام (5)

--------
(1) القرفة:
(2) الأس
(3) الدبس:
(4) يعتمد على روث الحيونات من بقر وخرفان وماعز وخيل وجمال .
(5) انظر وصف الزبال ، في كتاب : الحمام الدمشقية ص 246


*مراحل الإغتسال في الحمام:

-     يعلمنا الرسول صلّى الله عليه وسلّم مراحل الغسل الشرعي وطريقة الإغتسال، في ما روته عائشة (ر) أنها قالت: "كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اغتسل من الجنابة: يبدأ فغسل يديه، ثمّ يفرغ يمينه بشماله فيغسل فرجه، ثمّ يتوضأ وضوءه للصلاة، ثمّ يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر والجلد، حتى إذا رأى أنه قد إستبرأ -أي ابتل الشعر والجلد- حفن على رأسه ثلاث حفنات كم أفاض على سائر جسده، ثمّ غسل رجليه." رواه الأئمة الخمسة.    


-   وفي حديثه عن مدينة "عكا" الفلسطنية، يستعرض الأستاذ الأديب "ذو النون الجرّاح" حنينه إلى مسقط رأسه ومرتع شبابه بشيئ من التفاصيل(1) خصوصا تلكالمرتبطة بالحمام وما يتبعه من طقوس تمليها العادات والتقاليد في المناسبات الدينيةحيث يتم الذهاب برفقة والده إلى الحمام قبل يوم أو يومين من موعد العيد -الفطرأوالإضحى- فيحمل معه "صرة" فيها ثياب النظيفة ومعها أشياء أخرى كاللّيفة والصابون المعطر.. فيستقبله "الحمامّجي" ويدله على مكانه في "الشيدروان" ثم يعطيه المناشف الثلاث، للوسط  والصدر والرأس. بعدها ينزع ثيابه ويضعها في شكل صرّة بجانب حذائه، فيلف نفسه بالمناشف (الفوته) ويلبس القبقاب الخشبي.. ليبدأ رحلته في قاعات الحمام الأولى فالثانية إلى قاعة كبيرة يتوسطها بيت النار. "فيتعرّق فوقه، حيث يفرش المنشفة (الفوته) التي سيلّف بها صدره ورأسه، ويستلقي فوقها فترة من الزمن حتى يعرق عرقا شديدا قبل عملية "التكييس". ثم تأتي عملية التكييس وهي عملية حكّ الجسم بكيس من الصوف لإخراج القشرة القذرة من الجلد. وبعد التكييس يدقه "المكيس" بالكيس الصوفي الذي يلبسه بيده فوق كتفه علامة على أنه إنتهى. فيتوجه إلى شخص آخر. ويبدأ بالإغتسال بالليفة والصابونة والماء الحار الذي يصب فيه من حنفية لا تنقطع (في الجرن الرخامي)، وذلك بطاسة نحاسية (جنطاس) وتكون عملية (جنطاس) وتكون عملية الخروج من الحمام على مراحل (كذلك): الدهليز الأول ثم الثاني ثمّ القاعة،حتى لا يخرج فجأة من بيت النار إلى جوّ الشيدروان البارد، فيصاب بالزكام، فيلبس ثيابه، ويستعد لتناول طعام الإفطار الشهي المؤلف من الفول المدمّس والحمص وزيت الزيتون الفاخروالخبز الطازج الحار...".

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) من كتاب: "بلدي وأهلي وأنا"، ذو النون الجرّاح، 1977.
عن مجلة "عكا مدينة الأسود" 2001م، ض125-121.






د.علي بن محمد الصولي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق